❞ كتاب سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ❝  ⏤ أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني

❞ كتاب سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ❝ ⏤ أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني

سِيَر أمَّهات المؤمنين، أزوج النبي الكريم فرع عن سيرته العطرة؛ إذ لولاه لما كان لهن شأن، ولا بقي لهن ذكر، بل ولولاه عليه السلام لما كان للدنيا معنى ولا للحياة جدوى. وإن أعظم أمّهات المؤمنين شأنا، وأعلاهن مقاما، وأعظمهن جهادا أُولَاهُن دُخولا إلى البيت النبوي الطاهر، أمُّنا خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله.

إنّها أمُّ المؤمنين، وسيّدة نساء العالمين، زوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضي الله عنها، وهي أول من آمن برسول الله وصدّقه، ألقى الله حبَّها في قلوب أبنائها المؤمنين، حُبا لا يحدُّه زمانٌ ولا يحصره مكان، يسري في وِجدان كل مسلم سارَ على هذه الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها، فهي المرأة العظيمة التي لا يكاد يجهلها أحدٌ من المسلمين، صغيرِهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، عامتهم وخاصتهم، وحُقّ لهم ذلك، إذ كيف يجهلون من جعلها لهم ربُّهم أمّا لهم، قال سبحانه:( {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} )[الأحزاب/06].

لكن قبل الغوص في جوانبَ من شخصية أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، والحديث عن مختلف تضحياتها التي لا تُضاهى، من أجل الإسلام والمسلمين، وجهادها لجعل كلمة الله هي العليا، لابد أن نبحث أولا عن سبب هذا القَبول الذي وضع لها بين الأنام، وعن منبع تلك المحبة الخالصة التي نالتها من قلوب أبنائها المؤمنين، وعن سر تلك المكانة الرفيعة، والمنزلة العليا التي بوأها الله إياها دون سائر الناس؛ فإن من عَرف السببَ بطًل عنده العجب.

إنّ ذلك القبول في الأرض، وتلك المحبّة الخالصة، والمكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، لم يكن كلُّ ذلك ليحصل لها بسبب ذكائها ولا برجاحة عقلها، فكم من ذكي حَصِيفٍ راجح العقل طوى الزمانُ أثره، وانتهى شأنه برحيله عن الدنيا. كما لم يكن ليحصل لها بسبب أصالة نسبها ولا بشرف حسبها، فكم من ذي نسب أصيل وحسب رفيعٍ ما عرفه أحد وما أنصفه التاريخ. ولم يكن أيضا ليحصل لها كذلك بفضل مالها وتجارتها، فكم من صاحب مال وثروة نساه التاريخ، ومَحتْ الأيام ذكره إثر نفاذ أجله وماله!

أن السبب الحقيقيَّ إيها القارئ الكريم، الذي جعل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تتبوأ هذا المقام الأعلى عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند سائر المسلمين، هو شِدّة قربها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب الوسيلة والمقام المحمود، ومبادرتُها إلى الإيمان به نبيّا ورسولا قبل أن يدعوها إلى ذلك، ونُصرتها إياه بكل ما آتاها الله من مال ونفس وجاه، وإن شئت قلت باختصار: إن السبب هو شدة اتباعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وَإِذَا سَخَّرَ الإِلَهُ أُنَاساً لَسَعِيدٍ فَإِنَّهُمْ سُعَدَاءُ

ذلك أن اتباع رسول الله مُوجبٌ من موجبات نيل محبة الله تعالى، وجالبٌ لمرضاته سبحانه، ومصداق ذلك في الذكر الحكيم، قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران/31]، وإن من أحبَّه الله تعالى ورضي عنه، ألقى في قلوب عباده حُبه، فيحبوه فيوضع له القبول في الأرض، وفي الحديث عن أبي هريرة، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله تعالى إذا أحَبَّ عبدا دعا جِبريل، فقال: إني أُحِبُّ فلاناً فأَحْبِبْهُ، فيُحِبُّه جبريل، ثم يُنادي في السّماء، فيقول: إنّ الله يُحبُّ فلاناً فأحبُّوه، فيُحبه أهل السّماء، ثمّ يوضعُ له القَبولُ في الأرضِ»[البخاري/3209].

فقد شرَّف الله سبحانه أمَّنا خديجة رضي الله عنها، بأن أرسل الملك الأمين، جبريل عليه السلام، من فوق سبع سماوات، ليقرئها سلاما مباركا منه سبحانه، فما أعظمه من شرف، وما أجملها من كرامة؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ» "[البخاري/3820]. أولا: أمُّ المُؤْمنِينَ خَدِيجَةُ... أصَالةُ النّسبِ، وشَرفُ الحَسَبِ، وسُموُّ المَنْزِلَةِ.

هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كِلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر -رضي الله عنها-، يلتقي نسبها بنسب سيدنا رسول الله في جدها الرابع، أي: قصي بن كِلاب. فنسبها فرع عن النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمةً، شريفة، لبيبة، مع ما أراد الله به من كرامته[1]. روى ابن سعد عن نَفِيسةَ بنت مُنْيَةَ – وهي من صواحبِ خديجةَ – قولها: "كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، امرأة جلدة، شريفةً، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك"[2].

ولا عجب في أن يكون نسب أم المؤمنين وزوج رسول الله بهذا المستوى من الشرف، فقد هيأها الله تعالى بمشيئته وحكمته، لتكون ركنا من أركان بيت النبوة، واصطفاها لهذا الأمر الجسيم، ولهذا الشأن العظيم، إذ لا يليق بهذا المقام إلا من هي أهله. قال الله تعالى مخاطبا نساء النبي رضي الله عنهن: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب/33]،

ويعلق الإمام المفسر ابن عاشور رحمه الله على هذه الآية بقوله: "هذا التطهير لهنّ لأجل مقام النبي صلى الله عليه وسلم لتكون قريناته مشابهات له في الزكاء والكمال، كما قال الله تعالى:{الطيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ}[النور:26] يعني أزواج النبي للنبي صلى الله عليه وسلم".

إن السيدة خديجة بنت خويلد، إضافة إلى كونها ذات نسب شريف، فهي أيضا ذات منصب ومقام، وصاحبة جاه ومال. جاء في سيرة ابن هشام: "وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم"[4]، ولم يكن من شأنها -وهي امرأة شريفة عفيفة- أن تخرج مع القوافل لتسيح في البلدان وتجول في الأصقاع، بغرض المتاجرة، فذلك ليس من شأن النساء في مكة آنذاك؛ إنما كان عملها أن تستأجر رجالا فيبيعون ويشترون باسمها، مقابل أجر معلوم تدفعه لهم، أو أن يتاجروا في مالها مع حظهم من الأرباح، دون أن يتحملوا الخسائر المحتملة، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمضاربة.

لقد تواترت الأخبار، وتتابعت الآثار، التي تزكِّي النسب الشريف لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وترفع من قدر زوج النبي الأمين، "إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل، ومثلها مطمح لسادة قريش، لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس. وأنَّ أبصارهم ترنو إليها بُغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمدا عليه الصلاة والسلام وجدت ضربا آخر من الرجال.

وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة [...] رجلا تقفه كرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلَّع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضيا مَرضيا. ووجدت خديجة ضالتها المنشودة."[5] ثانيا: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلامُ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ، والمِيثَاقُ المُبَاركُ.
أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني - كاتب وباحث في الأدب والتاريخ , من المملكة العربية السعودية , بدأ مشواره في الكتابة منذ سن الرابعة عشر من عمره , من مواليد 1975م 1395هـ , مؤلفاته بلغت عددها 30 مؤلفاً , من تحقيق للتراث الإسلامي, وتواليف في تراجم العلماء , كالجاحظ والأصمعي وغيرهما , وتراجم للصحابة والتابعين , له رواية واحدة عنوانها الأرض الطيبة , وديوان شعر نثري عنوانه أعجوبة القدر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ❝ ❱
من التراجم والأعلام - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

سِيَر أمَّهات المؤمنين، أزوج النبي الكريم فرع عن سيرته العطرة؛ إذ لولاه لما كان لهن شأن، ولا بقي لهن ذكر، بل ولولاه عليه السلام لما كان للدنيا معنى ولا للحياة جدوى. وإن أعظم أمّهات المؤمنين شأنا، وأعلاهن مقاما، وأعظمهن جهادا أُولَاهُن دُخولا إلى البيت النبوي الطاهر، أمُّنا خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله.

إنّها أمُّ المؤمنين، وسيّدة نساء العالمين، زوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضي الله عنها، وهي أول من آمن برسول الله وصدّقه، ألقى الله حبَّها في قلوب أبنائها المؤمنين، حُبا لا يحدُّه زمانٌ ولا يحصره مكان، يسري في وِجدان كل مسلم سارَ على هذه الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها، فهي المرأة العظيمة التي لا يكاد يجهلها أحدٌ من المسلمين، صغيرِهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، عامتهم وخاصتهم، وحُقّ لهم ذلك، إذ كيف يجهلون من جعلها لهم ربُّهم أمّا لهم، قال سبحانه:( {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} )[الأحزاب/06].

لكن قبل الغوص في جوانبَ من شخصية أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، والحديث عن مختلف تضحياتها التي لا تُضاهى، من أجل الإسلام والمسلمين، وجهادها لجعل كلمة الله هي العليا، لابد أن نبحث أولا عن سبب هذا القَبول الذي وضع لها بين الأنام، وعن منبع تلك المحبة الخالصة التي نالتها من قلوب أبنائها المؤمنين، وعن سر تلك المكانة الرفيعة، والمنزلة العليا التي بوأها الله إياها دون سائر الناس؛ فإن من عَرف السببَ بطًل عنده العجب.

إنّ ذلك القبول في الأرض، وتلك المحبّة الخالصة، والمكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، لم يكن كلُّ ذلك ليحصل لها بسبب ذكائها ولا برجاحة عقلها، فكم من ذكي حَصِيفٍ راجح العقل طوى الزمانُ أثره، وانتهى شأنه برحيله عن الدنيا. كما لم يكن ليحصل لها بسبب أصالة نسبها ولا بشرف حسبها، فكم من ذي نسب أصيل وحسب رفيعٍ ما عرفه أحد وما أنصفه التاريخ. ولم يكن أيضا ليحصل لها كذلك بفضل مالها وتجارتها، فكم من صاحب مال وثروة نساه التاريخ، ومَحتْ الأيام ذكره إثر نفاذ أجله وماله!

أن السبب الحقيقيَّ إيها القارئ الكريم، الذي جعل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تتبوأ هذا المقام الأعلى عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند سائر المسلمين، هو شِدّة قربها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب الوسيلة والمقام المحمود، ومبادرتُها إلى الإيمان به نبيّا ورسولا قبل أن يدعوها إلى ذلك، ونُصرتها إياه بكل ما آتاها الله من مال ونفس وجاه، وإن شئت قلت باختصار: إن السبب هو شدة اتباعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وَإِذَا سَخَّرَ الإِلَهُ أُنَاساً لَسَعِيدٍ فَإِنَّهُمْ سُعَدَاءُ

ذلك أن اتباع رسول الله مُوجبٌ من موجبات نيل محبة الله تعالى، وجالبٌ لمرضاته سبحانه، ومصداق ذلك في الذكر الحكيم، قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران/31]، وإن من أحبَّه الله تعالى ورضي عنه، ألقى في قلوب عباده حُبه، فيحبوه فيوضع له القبول في الأرض، وفي الحديث عن أبي هريرة، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله تعالى إذا أحَبَّ عبدا دعا جِبريل، فقال: إني أُحِبُّ فلاناً فأَحْبِبْهُ، فيُحِبُّه جبريل، ثم يُنادي في السّماء، فيقول: إنّ الله يُحبُّ فلاناً فأحبُّوه، فيُحبه أهل السّماء، ثمّ يوضعُ له القَبولُ في الأرضِ»[البخاري/3209].

فقد شرَّف الله سبحانه أمَّنا خديجة رضي الله عنها، بأن أرسل الملك الأمين، جبريل عليه السلام، من فوق سبع سماوات، ليقرئها سلاما مباركا منه سبحانه، فما أعظمه من شرف، وما أجملها من كرامة؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ» "[البخاري/3820]. أولا: أمُّ المُؤْمنِينَ خَدِيجَةُ... أصَالةُ النّسبِ، وشَرفُ الحَسَبِ، وسُموُّ المَنْزِلَةِ.

هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كِلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر -رضي الله عنها-، يلتقي نسبها بنسب سيدنا رسول الله في جدها الرابع، أي: قصي بن كِلاب. فنسبها فرع عن النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمةً، شريفة، لبيبة، مع ما أراد الله به من كرامته[1]. روى ابن سعد عن نَفِيسةَ بنت مُنْيَةَ – وهي من صواحبِ خديجةَ – قولها: "كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، امرأة جلدة، شريفةً، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك"[2].

ولا عجب في أن يكون نسب أم المؤمنين وزوج رسول الله بهذا المستوى من الشرف، فقد هيأها الله تعالى بمشيئته وحكمته، لتكون ركنا من أركان بيت النبوة، واصطفاها لهذا الأمر الجسيم، ولهذا الشأن العظيم، إذ لا يليق بهذا المقام إلا من هي أهله. قال الله تعالى مخاطبا نساء النبي رضي الله عنهن: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب/33]،

ويعلق الإمام المفسر ابن عاشور رحمه الله على هذه الآية بقوله: "هذا التطهير لهنّ لأجل مقام النبي صلى الله عليه وسلم لتكون قريناته مشابهات له في الزكاء والكمال، كما قال الله تعالى:{الطيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ}[النور:26] يعني أزواج النبي للنبي صلى الله عليه وسلم".

إن السيدة خديجة بنت خويلد، إضافة إلى كونها ذات نسب شريف، فهي أيضا ذات منصب ومقام، وصاحبة جاه ومال. جاء في سيرة ابن هشام: "وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم"[4]، ولم يكن من شأنها -وهي امرأة شريفة عفيفة- أن تخرج مع القوافل لتسيح في البلدان وتجول في الأصقاع، بغرض المتاجرة، فذلك ليس من شأن النساء في مكة آنذاك؛ إنما كان عملها أن تستأجر رجالا فيبيعون ويشترون باسمها، مقابل أجر معلوم تدفعه لهم، أو أن يتاجروا في مالها مع حظهم من الأرباح، دون أن يتحملوا الخسائر المحتملة، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمضاربة.

لقد تواترت الأخبار، وتتابعت الآثار، التي تزكِّي النسب الشريف لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وترفع من قدر زوج النبي الأمين، "إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل، ومثلها مطمح لسادة قريش، لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس. وأنَّ أبصارهم ترنو إليها بُغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمدا عليه الصلاة والسلام وجدت ضربا آخر من الرجال.

وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة [...] رجلا تقفه كرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلَّع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضيا مَرضيا. ووجدت خديجة ضالتها المنشودة."[5] ثانيا: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلامُ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ، والمِيثَاقُ المُبَاركُ. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

نبذة عن الكتاب :

إن سِيَر أمَّهات المؤمنين، أزوج النبي الكريم فرع عن سيرته العطرة؛ إذ لولاه لما كان لهن شأن، ولا بقي لهن ذكر، بل ولولاه عليه السلام لما كان للدنيا معنى ولا للحياة جدوى. وإن أعظم أمّهات المؤمنين شأنا، وأعلاهن مقاما، وأعظمهن جهادا أُولَاهُن دُخولا إلى البيت النبوي الطاهر، أمُّنا خديجة بنت خويلد عليها رضوان الله.         إنّها أمُّ المؤمنين، وسيّدة نساء العالمين، زوجُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمُّنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضي الله عنها، وهي أول من آمن برسول الله وصدّقه، ألقى الله حبَّها في قلوب أبنائها المؤمنين، حُبا لا يحدُّه زمانٌ ولا يحصره مكان، يسري في وِجدان كل مسلم سارَ على هذه الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها، فهي المرأة العظيمة التي لا يكاد يجهلها أحدٌ من المسلمين، صغيرِهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، عامتهم وخاصتهم، وحُقّ لهم ذلك، إذ كيف يجهلون من جعلها لهم ربُّهم أمّا لهم، قال سبحانه:( {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} )[الأحزاب/06].        لكن قبل الغوص في جوانبَ من شخصية أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، والحديث عن مختلف تضحياتها التي لا تُضاهى، من أجل الإسلام والمسلمين، وجهادها لجعل كلمة الله هي العليا، لابد أن نبحث أولا عن سبب هذا القَبول الذي وضع لها بين الأنام، وعن منبع تلك المحبة الخالصة التي نالتها من قلوب أبنائها المؤمنين، وعن سر تلك المكانة الرفيعة، والمنزلة العليا التي بوأها الله إياها دون سائر الناس؛ فإن من عَرف السببَ بطًل عنده العجب.      إنّ ذلك القبول في الأرض، وتلك المحبّة الخالصة، والمكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، لم يكن كلُّ ذلك ليحصل لها بسبب ذكائها ولا برجاحة عقلها، فكم من ذكي حَصِيفٍ راجح العقل طوى الزمانُ أثره، وانتهى شأنه برحيله عن الدنيا. كما لم يكن ليحصل لها بسبب أصالة نسبها ولا بشرف حسبها، فكم من ذي نسب أصيل وحسب رفيعٍ ما عرفه أحد وما أنصفه التاريخ. ولم يكن أيضا ليحصل لها كذلك بفضل مالها وتجارتها، فكم من صاحب مال وثروة نساه التاريخ، ومَحتْ الأيام ذكره إثر نفاذ أجله وماله!       أن السبب الحقيقيَّ إيها القارئ الكريم، الذي جعل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تتبوأ هذا المقام الأعلى عند الله تعالى، وعند رسول الله، وعند سائر المسلمين، هو شِدّة قربها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، صاحب الوسيلة والمقام المحمود، ومبادرتُها إلى الإيمان به نبيّا ورسولا قبل أن يدعوها إلى ذلك، ونُصرتها إياه بكل ما آتاها الله من مال ونفس وجاه، وإن شئت قلت باختصار: إن السبب هو شدة اتباعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَإِذَا سَخَّرَ الإِلَهُ أُنَاساً     لَسَعِيدٍ فَإِنَّهُمْ سُعَدَاءُ       ذلك أن اتباع رسول الله مُوجبٌ من موجبات نيل محبة الله تعالى، وجالبٌ لمرضاته سبحانه، ومصداق ذلك في الذكر الحكيم، قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران/31]، وإن من أحبَّه الله تعالى ورضي عنه، ألقى في قلوب عباده حُبه، فيحبوه فيوضع له القبول في الأرض، وفي الحديث عن أبي هريرة، «عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الله تعالى إذا أحَبَّ عبدا دعا جِبريل، فقال: إني أُحِبُّ فلاناً فأَحْبِبْهُ، فيُحِبُّه جبريل، ثم يُنادي في السّماء، فيقول: إنّ الله يُحبُّ فلاناً فأحبُّوه، فيُحبه أهل السّماء، ثمّ يوضعُ له القَبولُ في الأرضِ»[البخاري/3209].         فقد شرَّف الله سبحانه أمَّنا خديجة رضي الله عنها، بأن أرسل الملك الأمين، جبريل عليه السلام، من فوق سبع سماوات، ليقرئها سلاما مباركا منه سبحانه، فما أعظمه من شرف، وما أجملها من كرامة؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ» "[البخاري/3820]. أولا: أمُّ المُؤْمنِينَ خَدِيجَةُ... أصَالةُ النّسبِ، وشَرفُ الحَسَبِ، وسُموُّ المَنْزِلَةِ.        هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كِلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر -رضي الله عنها-، يلتقي نسبها بنسب سيدنا رسول الله في جدها الرابع، أي: قصي بن كِلاب. فنسبها فرع عن النسب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.        وكانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمةً، شريفة، لبيبة، مع ما أراد الله به من كرامته[1]. روى ابن سعد عن نَفِيسةَ بنت مُنْيَةَ – وهي من صواحبِ خديجةَ – قولها: "كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، امرأة جلدة، شريفةً، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك"[2]. ولا عجب في أن يكون نسب أم المؤمنين وزوج رسول الله بهذا المستوى من الشرف، فقد هيأها الله تعالى بمشيئته وحكمته، لتكون ركنا من أركان بيت النبوة، واصطفاها لهذا الأمر الجسيم، ولهذا الشأن العظيم، إذ لا يليق بهذا المقام إلا من هي أهله. قال الله تعالى مخاطبا نساء النبي رضي الله عنهن:  {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب/33]، ويعلق الإمام المفسر ابن عاشور رحمه الله على هذه الآية بقوله: "هذا التطهير لهنّ لأجل مقام النبي صلى الله عليه وسلم لتكون قريناته مشابهات له في الزكاء والكمال، كما قال الله تعالى:{الطيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ}[النور:26] يعني أزواج النبي للنبي صلى الله عليه وسلم"[3].          إن السيدة خديجة بنت خويلد، إضافة إلى كونها ذات نسب شريف، فهي أيضا ذات منصب ومقام، وصاحبة جاه ومال. جاء في سيرة ابن هشام: "وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم"[4]، ولم يكن من شأنها -وهي امرأة شريفة عفيفة- أن تخرج مع القوافل لتسيح في البلدان وتجول في الأصقاع، بغرض المتاجرة، فذلك ليس من شأن النساء في مكة آنذاك؛ إنما كان عملها أن تستأجر رجالا فيبيعون ويشترون باسمها، مقابل أجر معلوم تدفعه لهم، أو أن يتاجروا في مالها مع حظهم من الأرباح، دون أن يتحملوا الخسائر المحتملة، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمضاربة.       لقد تواترت الأخبار، وتتابعت الآثار، التي تزكِّي النسب الشريف لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وترفع من قدر زوج النبي الأمين، "إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل، ومثلها مطمح لسادة قريش، لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس. وأنَّ أبصارهم ترنو إليها بُغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمدا عليه الصلاة والسلام وجدت ضربا آخر من الرجال. وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة [...] رجلا تقفه كرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلَّع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضيا مَرضيا. ووجدت خديجة ضالتها المنشودة."[5] ثانيا: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللهِ عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلامُ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ، والمِيثَاقُ المُبَاركُ.



حجم الكتاب عند التحميل : 249 ميجا بايت .
نوع الكتاب : doc.
عداد القراءة: عدد قراءة سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات docقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات doc
يمكن تحميلة من هنا 'http://www.microsoftstore.com/store/msmea/ar_EG/pdp/Office-365-Personal/productID.299498600'

المؤلف:
أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني - Abu Al Hassan Turki bin Al Hassan Al Dahmani

كتب أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني كاتب وباحث في الأدب والتاريخ , من المملكة العربية السعودية , بدأ مشواره في الكتابة منذ سن الرابعة عشر من عمره , من مواليد 1975م 1395هـ , مؤلفاته بلغت عددها 30 مؤلفاً , من تحقيق للتراث الإسلامي, وتواليف في تراجم العلماء , كالجاحظ والأصمعي وغيرهما , وتراجم للصحابة والتابعين , له رواية واحدة عنوانها الأرض الطيبة , وديوان شعر نثري عنوانه أعجوبة القدر.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ❝ ❱. المزيد..

كتب أبو الحسن تركي بن الحسن الدهماني