❞ ديوان مختارات من الشعر الفرنسي ❝  ⏤ اناهيتا حمو

❞ ديوان مختارات من الشعر الفرنسي ❝ ⏤ اناهيتا حمو

مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والناشر الفرنسي المعروف مارسيل جوليان، ومعلوم أنه كان مشرفا على كبريات دور النشر الفرنسية من أمثال بلون، وجوليار، وبيران، كما وكان مديرا عاما للتلفزيون الفرنسي، القناة الثانية، هذا بالإضافة إلى كونه ذواقة كبيراً للشعر ومؤسسا للمجلة الأدبية: تسكعات. أليس الأدب نوعا من التسكع؟

ألا توجد علاقة بين هامشية الأديب والتسكع من مكان إلى مكان على غير هدى وبكل حرية؟ أليس الشعر هو عزاؤنا في هذا العالم الاستهلاكي، المادي، الخالي من كل العواطف والأحاسيس؟ هذه هي بعض الأسئلة التي يطرحها هذا الكاتب الفرنسي الذي شغل أعلى المناصب واكتشف في نهاية المطاف أن قراءة قصيدة شعرية لرينييه شار تساوي كل المناصب الرسمية الفرنسية مهما علت وكبرت.ولهذا السبب فهو يكرس كتابا ضخما يجمع بين دفتيه منتخبات من هذا الشعر الذي أحبه وعاش عليه طيلة عمره المديد.

يقول المؤلف منذ البداية ما معناه: يقولون بأن الشاعر شخص مجنون، فهو يكتب ما لا ينبغي أن يُكتب أو أن يُعبّر عنه. إنه يتسكع بعيدا ويخرج عن المناطق الآمنة التي لا يُسمح عادة بالخروج منها. إنه شخص هامشي، ضائع، في زحمة البشر والحياة. إنه يحاذي كل المهاوي السحيقة والمخاطر. هذا هو الشاعر بالفعل. فدوره هو أن يزعج عامة الناس، أن يقلقهم، أن يخرجهم عن طورهم، أن يوقظهم من سباتهم...

ولذلك فهم ينبذونه في كل عصر وجيل. إن الشاعر هو الإنسان الملعون المدان كما كان بودلير، وفيرلين، ورامبو، ومالارميه، الخ. من يفهم الشاعر في عصره؟ لا أحد. اللهم إلا القليل. الشاعر محكوم بأن يموت على عتبات المدن الرائعة كما يقول رامبو. الشاعر متسكع، تائه، لا يعرف إلى أين يسير ولا يهمه أن يعرف أصلا، ولو عرف لانتهى الشعر.الشعر ليس حسابات صغيرة ولا مقاولات.الشعر جنون تائه...

أو قل انه يتغذى من التسكع، والتيهان، والضياع. ثم يردف المؤلف قائلا: لقد شئنا أن نكتب منتخبات جديدة للشعر الفرنسي منذ بداياته الأولى وحتى اليوم. وقد اخترنا مائة وستة وثلاثين شاعرا على مدار العصور، وهو عدد ليس بالقليل. وقد قسمنا الكتاب إلى عدة أقسام بحسب الأحقاب التاريخية. فهناك أولا شعراء القرون الوسطى، وهناك ثانيا شعراء القرن السادس عشر، يتلوهم شعراء القرن السابع عشر، فشعراء القرن الثامن عشر، فشعراء العصور الحديثة: أي القرنين التاسع عشر والعشرين.

ومعلوم أن الشعراء الذين ظهروا في هذه الفترة الأخيرة هم الذين رفعوا راية الشعر عاليا وأدوا إلى شهرة فرنسا في الخارج. نذكر من بينهم لامارتين (1790-1869)، والفريد دو فيني (1797-1863)، وفيكتور هيغو (1802-1885)، وجيرار دونيرفال (1808-1855)، والفريد دوموسيه (1810-1857). وهؤلاء هم شعراء الرومانطيقية.

ثم ينتقل المؤلف بعدئذ إلى مرحلة الحداثة الشعرية التي تلتهم مباشرة: أي مرحلة بودلير (1821-1867)، وبول فيرلين (1844-1896)، وآرثر رامبو (1854-1891)، وستيفان مالارميه (1842-1898). نلاحظ أن متوسط العمر هنا لا يتجاوز الأربعين إلا قليلا، ولهذا السبب قال رينيه شار بأن الشاعر يموت شابا عادة. ولكن هناك استثناءات بالطبع ليس أقلها فيكتور هيغو، أو أراغون، أو شار نفسه. فكل منهم تجاوز الثمانين.

مهما يكن من أمر فإن شعراء القرن العشرين الكبار الذين تلوا مرحلة بودلير، فيرلين، رامبو، مالارميه هم التالية أسماؤهم: بول فاليري (1871-1945)، غيوم ابولينير (1887-1918)ـ أنطونين آرتو (1896-1948)، هنري ميشو (1899-1984)، بول ايلوار (1895-1952)، أراغون (1897-1982)، جاك بريفير (1900-1977)، رينيه شار (1907-1988).

فيما خص هذا الأخير يقول المؤلف ما معناه: ولد رينيه شار عام 1907 في مدينة صغيرة بجنوب فرنسا تدعى «ليل سور لاسورغ»: أي الجزيرة الواقعة على نهر السورغ. وهي تقع بالفعل على ضفاف نهر صغير ووديع يلتف حولها من عدة نواحٍ حتى ليكاد يحولها إلى جزيرة ويخلع عليها الكثير من الجمال والروعة. وقد تغنّى به رينيه شار في أكثر من قصيدة كما هو معلوم. ولكنه تعرف وهو شاب في بداية العشرين من عمره على بول ايلوار. فأقنعه هذا الأخير بمغادرة مدينته الصغيرة التي لا تتسع لموهبته والذهاب معه إلى باريس حيث الأوساط الأدبية، والحركات الفنية، والصالونات، الخ.

وفي باريس انخرط في الحركة السوريالية التي كان اندريه بريتون قد أسسها وكتب لها البيان المانيفست عام 1924. وبعد أن شبع من مغامرات السورياليين وأعاجيبهم وهضم أفضل ما أعطته حركتهم على الصعيد الفني راح يبتعد عنهم. والواقع أن موهبته الشعرية كانت أكبر منهم. فبريتون لا يقارن به شعريا ولا حتى ايلوار على الرغم من أهميته. يضاف إلى ذلك أن رينيه شار كان شخصا ميالا إلى العزلة والوحدة ويحب الاستقلالية الشخصية ويحرص عليها كثيرا. ولذلك قطع مع بريتون وجماعته ولكنه ظل على صداقة وطيدة مع بول ايلوار حتى مات هذا الأخير في عز الشباب عام 1952.

ثم يردف المؤلف قائلا: وفي عام 1940 كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت وكان الألمان قد هزموا الفرنسيين ودخلوا إلى باريس. وعندئذ انخرط رينيه شار بكل قوة في حركة المقاومة السرية ضد النازية، وأبلى فيها بلاء حسنا بل وأصبح رئيس شبكة واسعة للمقاومة في جنوب البلاد، حيث توجد منطقة الشاعر. وكان اسمه الحركي: الضابط اسكندر.

ويقال بأنه كان جريئا جدا وشجاعا إلى أقصى الحدود. يضاف إلى ذلك أنه كان عملاقا من الناحية الجسدية ويتمتع بقوة عضلية لا يستهان بها. ثم أصبح شخصية مهمة في فرنسا بعد الحرب. وكانت هالة المقاومة والبطولات تحيط بشخصه، وراح ينشر دواوينه الشعرية الواحد بعد الآخر وينال شهرة واسعة. وبدءاً من عام 1965 هجر باريس وأدار ظهره كليا لها وعاد إلى مدينته الصغيرة الحلوة في الجنوب لكي يعيش ويكتب حتى موته عام 1988.

وبالتالي فالرجل لم يكن يركض وراء الأضواء والشهرة وإنما الأضواء هي التي كانت تركض وراءه. ومعلوم أنه كان زاهدا في الشهرة على عكس معظم الشعراء، ولذلك خلف وراءه أعمالا شعرية ضخمة ومهمة، ولكن البعض يشكون من صعوبة فهمه أو غموض شعره. والواقع أنه يستخدم أسلوب الوضوح الغامض، أو الغموض الواضح إذا جاز التعبير. فقصيدته عبارة عن عتمات تتخللها إضاءات، أو إضاءات تلمع من خلال العتمات. ولكن ألم يكن رامبو كذلك، وبخاصة في الإشراقات؟

مهما يكن من أمر فإن هذه المختارات الشعرية تقدم للقارئ المعاصر المحب للشعر نماذج رفيعة من القصائد المتوزعة على كل عصور الشعر الفرنسي كما قلنا. وفيما يخص رامبو نلاحظ أن المؤلف كرس له ما لا يقل عن عشر صفحات في حين أنه لم يكرس لشار إلا أربع صفحات. أما بودلير فكرس له عشر صفحات
اناهيتا حمو - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مختارات من الشعر الفرنسي ❝ الناشرين : ❞ دار الينابيع ❝ ❱
من ادب البلدان الغربية - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

نبذة عن الكتاب:
مختارات من الشعر الفرنسي

2007م - 1445هـ
مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والناشر الفرنسي المعروف مارسيل جوليان، ومعلوم أنه كان مشرفا على كبريات دور النشر الفرنسية من أمثال بلون، وجوليار، وبيران، كما وكان مديرا عاما للتلفزيون الفرنسي، القناة الثانية، هذا بالإضافة إلى كونه ذواقة كبيراً للشعر ومؤسسا للمجلة الأدبية: تسكعات. أليس الأدب نوعا من التسكع؟

ألا توجد علاقة بين هامشية الأديب والتسكع من مكان إلى مكان على غير هدى وبكل حرية؟ أليس الشعر هو عزاؤنا في هذا العالم الاستهلاكي، المادي، الخالي من كل العواطف والأحاسيس؟ هذه هي بعض الأسئلة التي يطرحها هذا الكاتب الفرنسي الذي شغل أعلى المناصب واكتشف في نهاية المطاف أن قراءة قصيدة شعرية لرينييه شار تساوي كل المناصب الرسمية الفرنسية مهما علت وكبرت.ولهذا السبب فهو يكرس كتابا ضخما يجمع بين دفتيه منتخبات من هذا الشعر الذي أحبه وعاش عليه طيلة عمره المديد.

يقول المؤلف منذ البداية ما معناه: يقولون بأن الشاعر شخص مجنون، فهو يكتب ما لا ينبغي أن يُكتب أو أن يُعبّر عنه. إنه يتسكع بعيدا ويخرج عن المناطق الآمنة التي لا يُسمح عادة بالخروج منها. إنه شخص هامشي، ضائع، في زحمة البشر والحياة. إنه يحاذي كل المهاوي السحيقة والمخاطر. هذا هو الشاعر بالفعل. فدوره هو أن يزعج عامة الناس، أن يقلقهم، أن يخرجهم عن طورهم، أن يوقظهم من سباتهم...

ولذلك فهم ينبذونه في كل عصر وجيل. إن الشاعر هو الإنسان الملعون المدان كما كان بودلير، وفيرلين، ورامبو، ومالارميه، الخ. من يفهم الشاعر في عصره؟ لا أحد. اللهم إلا القليل. الشاعر محكوم بأن يموت على عتبات المدن الرائعة كما يقول رامبو. الشاعر متسكع، تائه، لا يعرف إلى أين يسير ولا يهمه أن يعرف أصلا، ولو عرف لانتهى الشعر.الشعر ليس حسابات صغيرة ولا مقاولات.الشعر جنون تائه...

أو قل انه يتغذى من التسكع، والتيهان، والضياع. ثم يردف المؤلف قائلا: لقد شئنا أن نكتب منتخبات جديدة للشعر الفرنسي منذ بداياته الأولى وحتى اليوم. وقد اخترنا مائة وستة وثلاثين شاعرا على مدار العصور، وهو عدد ليس بالقليل. وقد قسمنا الكتاب إلى عدة أقسام بحسب الأحقاب التاريخية. فهناك أولا شعراء القرون الوسطى، وهناك ثانيا شعراء القرن السادس عشر، يتلوهم شعراء القرن السابع عشر، فشعراء القرن الثامن عشر، فشعراء العصور الحديثة: أي القرنين التاسع عشر والعشرين.

ومعلوم أن الشعراء الذين ظهروا في هذه الفترة الأخيرة هم الذين رفعوا راية الشعر عاليا وأدوا إلى شهرة فرنسا في الخارج. نذكر من بينهم لامارتين (1790-1869)، والفريد دو فيني (1797-1863)، وفيكتور هيغو (1802-1885)، وجيرار دونيرفال (1808-1855)، والفريد دوموسيه (1810-1857). وهؤلاء هم شعراء الرومانطيقية.

ثم ينتقل المؤلف بعدئذ إلى مرحلة الحداثة الشعرية التي تلتهم مباشرة: أي مرحلة بودلير (1821-1867)، وبول فيرلين (1844-1896)، وآرثر رامبو (1854-1891)، وستيفان مالارميه (1842-1898). نلاحظ أن متوسط العمر هنا لا يتجاوز الأربعين إلا قليلا، ولهذا السبب قال رينيه شار بأن الشاعر يموت شابا عادة. ولكن هناك استثناءات بالطبع ليس أقلها فيكتور هيغو، أو أراغون، أو شار نفسه. فكل منهم تجاوز الثمانين.

مهما يكن من أمر فإن شعراء القرن العشرين الكبار الذين تلوا مرحلة بودلير، فيرلين، رامبو، مالارميه هم التالية أسماؤهم: بول فاليري (1871-1945)، غيوم ابولينير (1887-1918)ـ أنطونين آرتو (1896-1948)، هنري ميشو (1899-1984)، بول ايلوار (1895-1952)، أراغون (1897-1982)، جاك بريفير (1900-1977)، رينيه شار (1907-1988).

فيما خص هذا الأخير يقول المؤلف ما معناه: ولد رينيه شار عام 1907 في مدينة صغيرة بجنوب فرنسا تدعى «ليل سور لاسورغ»: أي الجزيرة الواقعة على نهر السورغ. وهي تقع بالفعل على ضفاف نهر صغير ووديع يلتف حولها من عدة نواحٍ حتى ليكاد يحولها إلى جزيرة ويخلع عليها الكثير من الجمال والروعة. وقد تغنّى به رينيه شار في أكثر من قصيدة كما هو معلوم. ولكنه تعرف وهو شاب في بداية العشرين من عمره على بول ايلوار. فأقنعه هذا الأخير بمغادرة مدينته الصغيرة التي لا تتسع لموهبته والذهاب معه إلى باريس حيث الأوساط الأدبية، والحركات الفنية، والصالونات، الخ.

وفي باريس انخرط في الحركة السوريالية التي كان اندريه بريتون قد أسسها وكتب لها البيان المانيفست عام 1924. وبعد أن شبع من مغامرات السورياليين وأعاجيبهم وهضم أفضل ما أعطته حركتهم على الصعيد الفني راح يبتعد عنهم. والواقع أن موهبته الشعرية كانت أكبر منهم. فبريتون لا يقارن به شعريا ولا حتى ايلوار على الرغم من أهميته. يضاف إلى ذلك أن رينيه شار كان شخصا ميالا إلى العزلة والوحدة ويحب الاستقلالية الشخصية ويحرص عليها كثيرا. ولذلك قطع مع بريتون وجماعته ولكنه ظل على صداقة وطيدة مع بول ايلوار حتى مات هذا الأخير في عز الشباب عام 1952.

ثم يردف المؤلف قائلا: وفي عام 1940 كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت وكان الألمان قد هزموا الفرنسيين ودخلوا إلى باريس. وعندئذ انخرط رينيه شار بكل قوة في حركة المقاومة السرية ضد النازية، وأبلى فيها بلاء حسنا بل وأصبح رئيس شبكة واسعة للمقاومة في جنوب البلاد، حيث توجد منطقة الشاعر. وكان اسمه الحركي: الضابط اسكندر.

ويقال بأنه كان جريئا جدا وشجاعا إلى أقصى الحدود. يضاف إلى ذلك أنه كان عملاقا من الناحية الجسدية ويتمتع بقوة عضلية لا يستهان بها. ثم أصبح شخصية مهمة في فرنسا بعد الحرب. وكانت هالة المقاومة والبطولات تحيط بشخصه، وراح ينشر دواوينه الشعرية الواحد بعد الآخر وينال شهرة واسعة. وبدءاً من عام 1965 هجر باريس وأدار ظهره كليا لها وعاد إلى مدينته الصغيرة الحلوة في الجنوب لكي يعيش ويكتب حتى موته عام 1988.

وبالتالي فالرجل لم يكن يركض وراء الأضواء والشهرة وإنما الأضواء هي التي كانت تركض وراءه. ومعلوم أنه كان زاهدا في الشهرة على عكس معظم الشعراء، ولذلك خلف وراءه أعمالا شعرية ضخمة ومهمة، ولكن البعض يشكون من صعوبة فهمه أو غموض شعره. والواقع أنه يستخدم أسلوب الوضوح الغامض، أو الغموض الواضح إذا جاز التعبير. فقصيدته عبارة عن عتمات تتخللها إضاءات، أو إضاءات تلمع من خلال العتمات. ولكن ألم يكن رامبو كذلك، وبخاصة في الإشراقات؟

مهما يكن من أمر فإن هذه المختارات الشعرية تقدم للقارئ المعاصر المحب للشعر نماذج رفيعة من القصائد المتوزعة على كل عصور الشعر الفرنسي كما قلنا. وفيما يخص رامبو نلاحظ أن المؤلف كرس له ما لا يقل عن عشر صفحات في حين أنه لم يكرس لشار إلا أربع صفحات. أما بودلير فكرس له عشر صفحات .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والناشر الفرنسي المعروف مارسيل جوليان، ومعلوم أنه كان مشرفا على كبريات دور النشر الفرنسية من أمثال بلون، وجوليار، وبيران، كما وكان مديرا عاما للتلفزيون الفرنسي، القناة الثانية، هذا بالإضافة إلى كونه ذواقة كبيراً للشعر ومؤسسا للمجلة الأدبية: تسكعات. أليس الأدب نوعا من التسكع؟

ألا توجد علاقة بين هامشية الأديب والتسكع من مكان إلى مكان على غير هدى وبكل حرية؟ أليس الشعر هو عزاؤنا في هذا العالم الاستهلاكي، المادي، الخالي من كل العواطف والأحاسيس؟ هذه هي بعض الأسئلة التي يطرحها هذا الكاتب الفرنسي الذي شغل أعلى المناصب واكتشف في نهاية المطاف أن قراءة قصيدة شعرية لرينييه شار تساوي كل المناصب الرسمية الفرنسية مهما علت وكبرت.ولهذا السبب فهو يكرس كتابا ضخما يجمع بين دفتيه منتخبات من هذا الشعر الذي أحبه وعاش عليه طيلة عمره المديد.

يقول المؤلف منذ البداية ما معناه: يقولون بأن الشاعر شخص مجنون، فهو يكتب ما لا ينبغي أن يُكتب أو أن يُعبّر عنه. إنه يتسكع بعيدا ويخرج عن المناطق الآمنة التي لا يُسمح عادة بالخروج منها. إنه شخص هامشي، ضائع، في زحمة البشر والحياة. إنه يحاذي كل المهاوي السحيقة والمخاطر. هذا هو الشاعر بالفعل. فدوره هو أن يزعج عامة الناس، أن يقلقهم، أن يخرجهم عن طورهم، أن يوقظهم من سباتهم...

ولذلك فهم ينبذونه في كل عصر وجيل. إن الشاعر هو الإنسان الملعون المدان كما كان بودلير، وفيرلين، ورامبو، ومالارميه، الخ. من يفهم الشاعر في عصره؟ لا أحد. اللهم إلا القليل. الشاعر محكوم بأن يموت على عتبات المدن الرائعة كما يقول رامبو. الشاعر متسكع، تائه، لا يعرف إلى أين يسير ولا يهمه أن يعرف أصلا، ولو عرف لانتهى الشعر.الشعر ليس حسابات صغيرة ولا مقاولات.الشعر جنون تائه...

أو قل انه يتغذى من التسكع، والتيهان، والضياع. ثم يردف المؤلف قائلا: لقد شئنا أن نكتب منتخبات جديدة للشعر الفرنسي منذ بداياته الأولى وحتى اليوم. وقد اخترنا مائة وستة وثلاثين شاعرا على مدار العصور، وهو عدد ليس بالقليل. وقد قسمنا الكتاب إلى عدة أقسام بحسب الأحقاب التاريخية. فهناك أولا شعراء القرون الوسطى، وهناك ثانيا شعراء القرن السادس عشر، يتلوهم شعراء القرن السابع عشر، فشعراء القرن الثامن عشر، فشعراء العصور الحديثة: أي القرنين التاسع عشر والعشرين.

ومعلوم أن الشعراء الذين ظهروا في هذه الفترة الأخيرة هم الذين رفعوا راية الشعر عاليا وأدوا إلى شهرة فرنسا في الخارج. نذكر من بينهم لامارتين (1790-1869)، والفريد دو فيني (1797-1863)، وفيكتور هيغو (1802-1885)، وجيرار دونيرفال (1808-1855)، والفريد دوموسيه (1810-1857). وهؤلاء هم شعراء الرومانطيقية.

ثم ينتقل المؤلف بعدئذ إلى مرحلة الحداثة الشعرية التي تلتهم مباشرة: أي مرحلة بودلير (1821-1867)، وبول فيرلين (1844-1896)، وآرثر رامبو (1854-1891)، وستيفان مالارميه (1842-1898). نلاحظ أن متوسط العمر هنا لا يتجاوز الأربعين إلا قليلا، ولهذا السبب قال رينيه شار بأن الشاعر يموت شابا عادة. ولكن هناك استثناءات بالطبع ليس أقلها فيكتور هيغو، أو أراغون، أو شار نفسه. فكل منهم تجاوز الثمانين.

مهما يكن من أمر فإن شعراء القرن العشرين الكبار الذين تلوا مرحلة بودلير، فيرلين، رامبو، مالارميه هم التالية أسماؤهم: بول فاليري (1871-1945)، غيوم ابولينير (1887-1918)ـ أنطونين آرتو (1896-1948)، هنري ميشو (1899-1984)، بول ايلوار (1895-1952)، أراغون (1897-1982)، جاك بريفير (1900-1977)، رينيه شار (1907-1988).

فيما خص هذا الأخير يقول المؤلف ما معناه: ولد رينيه شار عام 1907 في مدينة صغيرة بجنوب فرنسا تدعى «ليل سور لاسورغ»: أي الجزيرة الواقعة على نهر السورغ. وهي تقع بالفعل على ضفاف نهر صغير ووديع يلتف حولها من عدة نواحٍ حتى ليكاد يحولها إلى جزيرة ويخلع عليها الكثير من الجمال والروعة. وقد تغنّى به رينيه شار في أكثر من قصيدة كما هو معلوم. ولكنه تعرف وهو شاب في بداية العشرين من عمره على بول ايلوار. فأقنعه هذا الأخير بمغادرة مدينته الصغيرة التي لا تتسع لموهبته والذهاب معه إلى باريس حيث الأوساط الأدبية، والحركات الفنية، والصالونات، الخ.

وفي باريس انخرط في الحركة السوريالية التي كان اندريه بريتون قد أسسها وكتب لها البيان المانيفست عام 1924. وبعد أن شبع من مغامرات السورياليين وأعاجيبهم وهضم أفضل ما أعطته حركتهم على الصعيد الفني راح يبتعد عنهم. والواقع أن موهبته الشعرية كانت أكبر منهم. فبريتون لا يقارن به شعريا ولا حتى ايلوار على الرغم من أهميته. يضاف إلى ذلك أن رينيه شار كان شخصا ميالا إلى العزلة والوحدة ويحب الاستقلالية الشخصية ويحرص عليها كثيرا. ولذلك قطع مع بريتون وجماعته ولكنه ظل على صداقة وطيدة مع بول ايلوار حتى مات هذا الأخير في عز الشباب عام 1952.

ثم يردف المؤلف قائلا: وفي عام 1940 كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت وكان الألمان قد هزموا الفرنسيين ودخلوا إلى باريس. وعندئذ انخرط رينيه شار بكل قوة في حركة المقاومة السرية ضد النازية، وأبلى فيها بلاء حسنا بل وأصبح رئيس شبكة واسعة للمقاومة في جنوب البلاد، حيث توجد منطقة الشاعر. وكان اسمه الحركي: الضابط اسكندر.

ويقال بأنه كان جريئا جدا وشجاعا إلى أقصى الحدود. يضاف إلى ذلك أنه كان عملاقا من الناحية الجسدية ويتمتع بقوة عضلية لا يستهان بها. ثم أصبح شخصية مهمة في فرنسا بعد الحرب. وكانت هالة المقاومة والبطولات تحيط بشخصه، وراح ينشر دواوينه الشعرية الواحد بعد الآخر وينال شهرة واسعة. وبدءاً من عام 1965 هجر باريس وأدار ظهره كليا لها وعاد إلى مدينته الصغيرة الحلوة في الجنوب لكي يعيش ويكتب حتى موته عام 1988.

وبالتالي فالرجل لم يكن يركض وراء الأضواء والشهرة وإنما الأضواء هي التي كانت تركض وراءه. ومعلوم أنه كان زاهدا في الشهرة على عكس معظم الشعراء، ولذلك خلف وراءه أعمالا شعرية ضخمة ومهمة، ولكن البعض يشكون من صعوبة فهمه أو غموض شعره. والواقع أنه يستخدم أسلوب الوضوح الغامض، أو الغموض الواضح إذا جاز التعبير. فقصيدته عبارة عن عتمات تتخللها إضاءات، أو إضاءات تلمع من خلال العتمات. ولكن ألم يكن رامبو كذلك، وبخاصة في الإشراقات؟

مهما يكن من أمر فإن هذه المختارات الشعرية تقدم للقارئ المعاصر المحب للشعر نماذج رفيعة من القصائد المتوزعة على كل عصور الشعر الفرنسي كما قلنا. وفيما يخص رامبو نلاحظ أن المؤلف كرس له ما لا يقل عن عشر صفحات في حين أنه لم يكرس لشار إلا أربع صفحات. أما بودلير فكرس

الادب- الادباء- ادبية متنوعة-ادب البلدان الغربية- الادب الفرنسى-الشعر- الشعر والشعراء

 



سنة النشر : 2007م / 1428هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 475.7 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة مختارات من الشعر الفرنسي

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
اناهيتا حمو - Anahita Hamo

كتب اناهيتا حمو ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مختارات من الشعر الفرنسي ❝ الناشرين : ❞ دار الينابيع ❝ ❱. المزيد..

كتب اناهيتا حمو
الناشر:
دار الينابيع
كتب دار الينابيع ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ مختارات من الشعر الفرنسي ❝ ❞ أطفال الطين لـ أوكتافيو باث ❝ ❞ ارنوب والكذب ❝ ❞ رواية دِين ❝ ❞ مقدمة كرومويل ❝ ❞ مقدمة كرومويل بيان الرومانتيكية ❝ ❞ بازل المدبر ❝ ❞ قضايا النقد الادبي ل محمد الشريدة ❝ ❞ ما الماركسية؟ تفكيك العقل الأحادي ❝ ❞ لغة الياسمين ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ فيكتور هوجو ❝ ❞ نعوم تشومسكي ❝ ❞ عبد الباقي يوسف ❝ ❞ أحمد حسن ❝ ❞ احمد سمير(أ.ط) ❝ ❞ جورج برنارد شو ❝ ❞ اناهيتا حمو ❝ ❞ سلامة كيلة ❝ ❞ اوكتافيوباث ❝ ❞ لؤى عبد السلام ❝ ❞ محمد الشريدة ❝ ❞ سليمان الحسن ❝ ❞ سركون برخو ❝ ❱.المزيد.. كتب دار الينابيع