❞ كتاب العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة ❝  ⏤ إبراهيم كمال أدهم

❞ كتاب العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة ❝ ⏤ إبراهيم كمال أدهم

عالم الجن والشياطين وعالم البشر عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي، والتواصل بين العالَمين قائم - في صورته السيئة - على منطق التسخير والسحر والشعوذة واستغلال كل طرف للآخر بما يحقق مصلحته .

ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير، قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }(الجن:6) وقال تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم }(الأنعام:128) فالعلاقة بين الإنس والجن لخصتها هذه الآية على أنها علاقة مبناها على تبادل - ما يعتقده أصحابها - منافع ومصالح، وهي في حقيقتها مضار محضة، فاستمتاع الإنس بالجن، هو في الاستعاذة بهم وشعورهم بحمايتهم، فكان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الـوادي . وأما استمتاع الجن بالإنس، فما ينالونه من شعور بالعظمة والفخر من استعاذة الإنس بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.

هذا ما قاله أهل التفسير، ولا يخفى أن ما ذكروه صورة مصغرة لعلاقة الاستمتاع تلك، وأن تلك العلاقة أوسع من استعاذة النازل بالوادي، وافتخار الجن بذلك واستمتاعهم به، لكنها في نفس الإطار، فالإنسي يبذل الطاعة وربما العبادة للجن، والجن يبذلون منافع السحر والشعوذة للإنس، فالعلاقة متبادلة بين الطرفين، ولكن في أسوأ صور العلاقات وأحطها منزلة.

ونحاول في مقالنا هذا أن نرصد بعض صور تلك العلاقة بين الطرفين ( الإنس والجن ) من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة؛ لنعطي تصورا صحيحا عنها .


أولاً: إضلال العباد وإفسادهم : وهذا غاية ما يطلبه الشياطين من الإنس بل يعدونه رسالتهم في الحياة، فإبليس لا يقرّب ويكرّم من الشياطين إلا من بالغ في إضلال العباد وإفسادهم، قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم .

ثانياً: عبادة الإنس للجن : وهذه أسوأ أنواع العلاقة بين الطرفين وهي علاقة العبودية والتسخير، قال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن }(الأنعام:100) قال القرطبي في تفسير الآية: "هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل " أ.هـ .

ثالثاً: الشياطين يعلمون الناس السحر:

يعتقد البعض أن في السحر قوة خارقة، وأنه يمكّنهم من السيطرة على أبناء جنسهم، ويعتقد آخرون أن الجن والشياطين يملكون قوة السحر وسبل تعلمه، فيبذلون لهم الطاعة مقابل الحصول على تلك القوة، وقد استغلت الشياطين هذا الاعتقاد، وربطوا تحقيقه بالكفر بالله سبحانه، فحققوا بذلك غايتين، الأولى: إخراج الناس من دينهم، والثانية: نشر الفساد بينهم . قال تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون }(البقرة:102) . ولا شك أن نافذة السحر هي النافذة الأوسع التي يطل من خلالها شياطين الجن على شياطين الإنس، وبسببه ضلَّ كثير من الناس.

رابعاً: أذية البشر والإضرار بهم: للجن قدرة يستطيعون بها إلحاق الضرر ببني آدم بإذن الله، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وعمل الجن وأذاهم للإنس إما يكون من المحرمات التي حرمها الله على الجن والإنس، وإما أن يكون فحشاً وظلما بالإكراه " وتتعدد أوجه أذية الجن للإنس في صور منها:

1. دخول بدن الإنسان وصرعه: قال تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة .. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه .

وهذا الذي قاله أمر مشهور؛ فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرّك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذّب ذلك فقد كَذَبَ على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " .

في هذا الكتاب يتناول المؤلف العلاقة بين الجن والإنس كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة، ولعل هذا الكتاب هو الكتاب العربي الوحيد الجامع الشامل لهذه العلاقة بين العالمين، المنظور والمستور أي عالم الإنس وعالم الجن، وقد توخى المؤلف في هذا الكتاب ألا يتناول إلا ما هو ثابت في كتاب الله سبحانه وتعالى أو في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما ألقى الضوء على بعض المعتقدات الباطلة والمعلومات المغلوطة في هذا العالم، واجتهد في تزويد القارئ بالكثير من المعلومات التي تكمنه من فهم طبيعة عالم الجن وخصائصه وصفاته وخطورة التعامل مع أفراده.

والكتاب مقسم إلى ستة أبواب، الباب الأول تناول موضوع تعريف الجن لغة وفلسفة ودينًا، وفي الباب الثاني يقدم المؤلف محاولة في تفسير سورة الجن والمعوذتين، وفي الباب الثالث يتناول موضوع هام وهو موضوع المس الروحي ومعالجته، وفي الباب الرابع يخصصه المؤلف لمعالجة موضوع تناكح الإنس والجن وحقيقة ذلك من الناحية العلمية والشرعية، والباب الخامس عالج موضوع يشغل بال الناس وهو وقاية الإنسان من الجن، والباب الأخير هو دراسة ميدانية حول محضّري الجن والمترددين عليهم. إبراهيم كمال أدهم - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة ❝ الناشرين : ❞ بيروت المحروسة للطباعة والنشر ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة

1993م - 1445هـ
عالم الجن والشياطين وعالم البشر عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي، والتواصل بين العالَمين قائم - في صورته السيئة - على منطق التسخير والسحر والشعوذة واستغلال كل طرف للآخر بما يحقق مصلحته .

ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير، قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }(الجن:6) وقال تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم }(الأنعام:128) فالعلاقة بين الإنس والجن لخصتها هذه الآية على أنها علاقة مبناها على تبادل - ما يعتقده أصحابها - منافع ومصالح، وهي في حقيقتها مضار محضة، فاستمتاع الإنس بالجن، هو في الاستعاذة بهم وشعورهم بحمايتهم، فكان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الـوادي . وأما استمتاع الجن بالإنس، فما ينالونه من شعور بالعظمة والفخر من استعاذة الإنس بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.

هذا ما قاله أهل التفسير، ولا يخفى أن ما ذكروه صورة مصغرة لعلاقة الاستمتاع تلك، وأن تلك العلاقة أوسع من استعاذة النازل بالوادي، وافتخار الجن بذلك واستمتاعهم به، لكنها في نفس الإطار، فالإنسي يبذل الطاعة وربما العبادة للجن، والجن يبذلون منافع السحر والشعوذة للإنس، فالعلاقة متبادلة بين الطرفين، ولكن في أسوأ صور العلاقات وأحطها منزلة.

ونحاول في مقالنا هذا أن نرصد بعض صور تلك العلاقة بين الطرفين ( الإنس والجن ) من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة؛ لنعطي تصورا صحيحا عنها .


أولاً: إضلال العباد وإفسادهم : وهذا غاية ما يطلبه الشياطين من الإنس بل يعدونه رسالتهم في الحياة، فإبليس لا يقرّب ويكرّم من الشياطين إلا من بالغ في إضلال العباد وإفسادهم، قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم .

ثانياً: عبادة الإنس للجن : وهذه أسوأ أنواع العلاقة بين الطرفين وهي علاقة العبودية والتسخير، قال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن }(الأنعام:100) قال القرطبي في تفسير الآية: "هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل " أ.هـ .

ثالثاً: الشياطين يعلمون الناس السحر:

يعتقد البعض أن في السحر قوة خارقة، وأنه يمكّنهم من السيطرة على أبناء جنسهم، ويعتقد آخرون أن الجن والشياطين يملكون قوة السحر وسبل تعلمه، فيبذلون لهم الطاعة مقابل الحصول على تلك القوة، وقد استغلت الشياطين هذا الاعتقاد، وربطوا تحقيقه بالكفر بالله سبحانه، فحققوا بذلك غايتين، الأولى: إخراج الناس من دينهم، والثانية: نشر الفساد بينهم . قال تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون }(البقرة:102) . ولا شك أن نافذة السحر هي النافذة الأوسع التي يطل من خلالها شياطين الجن على شياطين الإنس، وبسببه ضلَّ كثير من الناس.

رابعاً: أذية البشر والإضرار بهم: للجن قدرة يستطيعون بها إلحاق الضرر ببني آدم بإذن الله، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وعمل الجن وأذاهم للإنس إما يكون من المحرمات التي حرمها الله على الجن والإنس، وإما أن يكون فحشاً وظلما بالإكراه " وتتعدد أوجه أذية الجن للإنس في صور منها:

1. دخول بدن الإنسان وصرعه: قال تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة .. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه .

وهذا الذي قاله أمر مشهور؛ فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرّك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذّب ذلك فقد كَذَبَ على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " .

في هذا الكتاب يتناول المؤلف العلاقة بين الجن والإنس كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة، ولعل هذا الكتاب هو الكتاب العربي الوحيد الجامع الشامل لهذه العلاقة بين العالمين، المنظور والمستور أي عالم الإنس وعالم الجن، وقد توخى المؤلف في هذا الكتاب ألا يتناول إلا ما هو ثابت في كتاب الله سبحانه وتعالى أو في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما ألقى الضوء على بعض المعتقدات الباطلة والمعلومات المغلوطة في هذا العالم، واجتهد في تزويد القارئ بالكثير من المعلومات التي تكمنه من فهم طبيعة عالم الجن وخصائصه وصفاته وخطورة التعامل مع أفراده.

والكتاب مقسم إلى ستة أبواب، الباب الأول تناول موضوع تعريف الجن لغة وفلسفة ودينًا، وفي الباب الثاني يقدم المؤلف محاولة في تفسير سورة الجن والمعوذتين، وفي الباب الثالث يتناول موضوع هام وهو موضوع المس الروحي ومعالجته، وفي الباب الرابع يخصصه المؤلف لمعالجة موضوع تناكح الإنس والجن وحقيقة ذلك من الناحية العلمية والشرعية، والباب الخامس عالج موضوع يشغل بال الناس وهو وقاية الإنسان من الجن، والباب الأخير هو دراسة ميدانية حول محضّري الجن والمترددين عليهم.
.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

 عالم الجن والشياطين وعالم البشر عالمان مختلفان، فعالم الإنس بالنسبة للجن مرئي مشاهد، وعالم الجن بالنسبة للإنس غيبي غير مرئي، والتواصل بين العالَمين قائم - في صورته السيئة - على منطق التسخير والسحر والشعوذة واستغلال كل طرف للآخر بما يحقق مصلحته .

ولو تأملنا العلاقة التي تربط العالَمين منذ القدم لوجدناها هي هي لم تتغير، قال تعالى:{ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا }(الجن:6) وقال تعالى: { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم }(الأنعام:128) فالعلاقة بين الإنس والجن لخصتها هذه الآية على أنها علاقة مبناها على تبادل - ما يعتقده أصحابها - منافع ومصالح، وهي في حقيقتها مضار محضة، فاستمتاع الإنس بالجن، هو في الاستعاذة بهم وشعورهم بحمايتهم، فكان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الـوادي . وأما استمتاع الجن بالإنس، فما ينالونه من شعور بالعظمة والفخر من استعاذة الإنس بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.

هذا ما قاله أهل التفسير، ولا يخفى أن ما ذكروه صورة مصغرة لعلاقة الاستمتاع تلك،  وأن تلك العلاقة أوسع من استعاذة النازل بالوادي، وافتخار الجن بذلك واستمتاعهم به، لكنها في نفس الإطار، فالإنسي يبذل الطاعة وربما العبادة للجن، والجن يبذلون منافع السحر والشعوذة للإنس، فالعلاقة متبادلة بين الطرفين، ولكن في أسوأ صور العلاقات وأحطها منزلة.

ونحاول في مقالنا هذا أن نرصد بعض صور تلك العلاقة بين الطرفين ( الإنس والجن ) من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة؛ لنعطي تصورا صحيحا عنها .


أولاً: إضلال العباد وإفسادهم : وهذا غاية ما يطلبه الشياطين من الإنس بل يعدونه رسالتهم في الحياة، فإبليس لا يقرّب ويكرّم من الشياطين إلا من بالغ في إضلال العباد وإفسادهم، قال تعالى:{ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }(فاطر: 6). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت ) رواه مسلم .

ثانياً: عبادة الإنس للجن : وهذه أسوأ أنواع العلاقة بين الطرفين وهي علاقة العبودية والتسخير، قال تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن }(الأنعام:100) قال القرطبي في تفسير الآية: "هذا ذكر نوع آخر من جهالاتهم، أي فيهم من اعتقد لله شركاء من الجن .. والآية نزلت في مشركي العرب . ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل " أ.هـ .

ثالثاً: الشياطين يعلمون الناس السحر:

يعتقد البعض أن في السحر قوة خارقة، وأنه يمكّنهم من السيطرة على أبناء جنسهم، ويعتقد آخرون أن الجن والشياطين يملكون قوة السحر وسبل تعلمه، فيبذلون لهم الطاعة مقابل الحصول على تلك القوة، وقد استغلت الشياطين هذا الاعتقاد، وربطوا تحقيقه بالكفر بالله سبحانه، فحققوا بذلك غايتين، الأولى: إخراج الناس من دينهم، والثانية: نشر الفساد بينهم . قال تعالى: { واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون  }(البقرة:102) . ولا شك أن نافذة السحر هي النافذة الأوسع التي يطل من خلالها شياطين الجن على شياطين الإنس، وبسببه ضلَّ كثير من الناس.

رابعاً: أذية البشر والإضرار بهم: للجن قدرة يستطيعون بها إلحاق الضرر ببني آدم  بإذن الله، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وعمل الجن وأذاهم للإنس إما يكون من المحرمات التي حرمها الله على الجن والإنس، وإما أن يكون فحشاً وظلما بالإكراه " وتتعدد أوجه أذية الجن للإنس في صور منها:

1. دخول بدن الإنسان وصرعه: قال تعالى:{ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة .. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواماً يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع، فقال: يا بني يكذبون، هذا يتكلم على لسانه .

وهذا الذي قاله أمر مشهور؛ فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه، ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب، ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع وغير المصروع، ويجر البساط الذي يجلس عليه، ويحول آلات، وينقل من مكان إلى مكان، ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرّك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان . وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذّب ذلك فقد كَذَبَ على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " .

في هذا الكتاب يتناول المؤلف العلاقة بين الجن والإنس كما يصورها القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة، ولعل هذا الكتاب هو الكتاب العربي الوحيد الجامع الشامل لهذه العلاقة بين العالمين، المنظور والمستور أي عالم الإنس وعالم الجن، وقد توخى المؤلف في هذا الكتاب ألا يتناول إلا ما هو ثابت في كتاب الله سبحانه وتعالى أو في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما ألقى الضوء على بعض المعتقدات الباطلة والمعلومات المغلوطة في هذا العالم، واجتهد في تزويد القارئ بالكثير من المعلومات التي تكمنه من فهم طبيعة عالم الجن وخصائصه وصفاته وخطورة التعامل مع أفراده.

والكتاب مقسم إلى ستة أبواب، الباب الأول تناول موضوع تعريف الجن لغة وفلسفة ودينًا، وفي الباب الثاني يقدم المؤلف محاولة في تفسير سورة الجن والمعوذتين، وفي الباب الثالث يتناول موضوع هام وهو موضوع المس الروحي ومعالجته، وفي الباب الرابع يخصصه المؤلف لمعالجة موضوع تناكح الإنس والجن وحقيقة ذلك من الناحية العلمية والشرعية، والباب الخامس عالج موضوع يشغل بال الناس وهو وقاية الإنسان من الجن، والباب الأخير هو دراسة ميدانية حول محضّري الجن والمترددين عليهم. 
 



سنة النشر : 1993م / 1413هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 10.4 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
إبراهيم كمال أدهم - EBRAHIM KMAL ADHM

كتب إبراهيم كمال أدهم ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة ❝ الناشرين : ❞ بيروت المحروسة للطباعة والنشر ❝ ❱. المزيد..

كتب إبراهيم كمال أدهم
الناشر:
بيروت المحروسة للطباعة والنشر
كتب بيروت المحروسة للطباعة والنشر ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ العلاقة بين الجن والإنس من منظار القرآن والسنة ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ إبراهيم كمال أدهم ❝ ❱.المزيد.. كتب بيروت المحروسة للطباعة والنشر